قراءة عن أحداث 23 يونيو 2011 في السنغال.

0
278

بقلم / الحاج مود ساخو

بالمناسبة كنتُ وقتَئذٍ مراهقًا مثقلًا بأعباء الدّروس، جاهلًا عن ألاعيب السّياسة وقاذوراتها، ولم أكن أفهم ممّا يجري سوى قلةٍ قليلةٍ لا تخلو غالبًا من الضّباب، ومع ذلك أتذكّر فرحتي العارمة بخروج الشّعب وغضبه، وإعجابي العظيم بردّة فعل النّائب ( شيخ بمپ جي ) الذّي قيّد يديه في بوّابة مجلس الشّعب، والمحامي ( الحاج جوف ) و العظيم المرحوم ( سيدي الأمين انياس ) كما أتذكّر غضبي العارم تجاه الرّئيس السّابق وحكومته ومناصريه جميعًا، بالطّبع كان هذا الميل العاطفيّ تابعًا للموقف الجماعيّ الضّاغط، ولم يكن اختيارًا مستقلًّا منّي بكلّ صراحةٍ !

بالعودة إلى الأحداث :

صحيحٌ أن أحداث 23 يونيو 2011 مهّدتْ بشكلٍ مباشرٍ لإسقاط حكومة الحزب الديمقراطى، والإطاحة بالجدّ عبد اللّه وادّ، وإفشال المشروع القانونيّ الخبيث الذي أرادت الأغلبيّةُ الميكانيكيّة إقرارها في البرلمان، ولكنّها في نظري لم تكن تحرّكاتٍ واعيةً مدروسةً بدقّةٍ مسبقًا، ولم تسع للوصول إلى حلٍّ شاملٍ يحفظُ للمؤسّسات الوطنيّة هيبتَها واحترامها، بل كانت تهدف فقط إلى التّخلّص من الجدّ ونظامه، الأمر الّذي جرّنا للوقوع في فخّ بديلٍ أسوأَ بكثيرٍ ممّا كنّا نفرُّ منه، ولذلك لم يستفد من ثمار ذلك اليوم التّاريخيّ إلّا بعضُ السّاسة الانتهازيّين الوصوليّين الذين عبروا عبر استغلال غضب الشّعب الهائج إلى القصر، فنسوا معاناتَه، وجوعه، وفقره، ومرضه، وجهله، وجميع المشاكل الّتي للتخلّص من وادّ، وبالتّالي تقاسموا الكعكة فيما بينهم بلا حياءٍ زاجرٍ، وبلا ضميرٍ رادعٍ، وهذا مع الأسف الشّديد خيانةٌ كبيرةٌ للأرواح الّتي ضحّتْ بنفسها وخلّفت حياتها في وسط تلك الأحداث، فداءً للوطن، إنّ أقبح ما في السّياسيّ بصفّةٍ عامّةٍ أنّه لا يحترم النّفس البشريّة، ولا يكترث بحياتها، فقد يستميتُ شعبٌ بكامله في سبيل قضيّةٍ مصيريّةٍ عنده، فيتظاهر هو أنّه مع الشّعب فيما يناضل من أجله، وأنّه سيكون خادمًا مخلصًا له عند ما يختاره ويأتمنه ببلده، ويومه، وغده، ولكن سرعان ما تُغيّره مكيِّفات القصر تغييرًا جذريًّا، يعطيه وجهًا غير وجهه، وكلمةً غير كلمته، وقناعةً غير قناعته، وموقفًا غير موقفه أمس، حتّى إنّك لتكاد تشكّ فيما إذا كان هذا المخلوق الجديد، هو الّذي كان معك في ميادين الاحتجاجات، وأمام الغازات المسيلة للدّموع، ثائرًا، مناضلًا، أم أنّه قردٌ عائثٌ أعمى أصمّ، انفلت لتوّه من غابات كيدغو، فسلّطه اللّه على أرواحنا وأملاكنا ومواردنا، يعبث فيها كما يشتهي، ويلهو بها كما يهوى، وإذا شكونا أو بكينا، أو قلنا كفى عبثًا وفسادًا، فهو لا يشعر ولا يأبأ، لأنّه محرومٌ من حاسّة السّمع والبصر، أظنّ أنّ السّاسة الّذين كانوا يدافعون بشراسةٍ عن المشروع القانونيّ لوادّ، والّذين لو تمّ مرادُهم لمرّروا المشروع بأيّة طريقةٍ للبقاء في الحكم، يسخرون الآن من سذاجة الشّعب بعد أن لجأوا في مخيّمات النّظام الحاليّ، يستمتعون بنعمه، وينهبون خيراته بكلّ وقاحةٍ، إنّنا نتحدّث عن الثّورة، ونهوى خوض مغامراتها بكلّ حماسةٍ، إلّا أنّ أنّها قد تصبح مصيبةً لا تبقي ولا تذر إن تولّدت من رحم التهوّر والعشوائيّة، ولو أنّ 23 يونيو حقّق ما يكفي من النّتائج الجيّدة، مقارنةً بالثّمن الباهظ الّذي كلّفه لنا من الضّحايا الإنسانيّة، لما كانت مؤسّساتنا إلى اليوم تعاني من سرطانٍ مضنٍ، جعلها بلا قيمةٍ وبلا معنًى، وإنّ من أبسط الأبجديّات المعروفة لدى الجميع أنّ الدّولة لن تكون دولةً ذاتَ قيمةٍ في ظلّ مؤسّساتٍ متعفّنةٍ، ليس لها ركنٌ متينٌ ولا سندٌ قويٌّ، وإذنْ فلا خروجَ مفيدٌ ما لم ينجح في تثبيت المؤسّسات، وتحصين الدّستور، أقصدُ دستورًا ينبع من معين ديننا، وعاداتنا، وثقافتنا، حتّى لا يخطر في بال أحدٍ التّلاعب به، أو العبث فيه، لأيّ غرضٍ سياسيٍّ تافهٍ، وإلّا فإنّنا سنستمرّ في كلّ نظامٍ قادمٍ بتقديم أرواح الشّباب قرابين، ولكن بلا فائدة وبلا مقابل، وربّما مشروع باستيف الّذي يحظى بشعبيّةٍ خارقةٍ في أوساط الشباب، بقيادة الزّعيم الشّاب عثمان سونكو سيساهم في إعادة شيءٍ من الأمل المفقود، إن قُدر له الوصول إلى أروقة القصر، حيث يُصنع القرار . !

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici